هدى أعصابك بالإنصات إلى كتاب ربك ، تلاوة ممتعة حسنة مؤثرة من كتاب الله ، تسمعها على قارئ مجود حسن الصوت ، تصلك إلى رضوان الله عز وجل ، وتضفي على نفسك السكينة ، وعلى قلبك يقينا وبردا وسلاما..
كان صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع القرآن من غيره ، وكان صلى الله عليه وسلم يتأثر إذا سمع القرآن من سواه ، وكان يطلب من أصحابه أن يقرؤوا عليه ، وقد أُنزل عليه القرآن هو ، فيستأنس صلى الله عليه وسلم ويخشع ويرتاح ..
إن لك فيه أسوة أن يكون لك دقائق ، أو وقت من اليوم أو الليل ، تفتح فيه المذياع أو مسجلا ، لتستمع إلى القارئ الذي يعجبك ، وهو يتلو كلام الله عز وجل ..
إن ضجة الحياة وبلبلة الناس ، وتشويش الآخرين ، كفيل بإزعاجك ، وهد قُواك ، وبتشتيت خاطرك ، وليس لك سكينة ولا طمأنينة ، إلا في كتاب ربك وفي ذكر مولاك ..
{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ..
يأمر صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ، فيقرأ عليه من سورة النساء ، فيبكي صلى الله عليه وسلم حتى تنهمر دموعه على خده ، ويقول : "حسبك الآن "..
ويمر بأبي موسى الأشعري، وهو يقرأ في المسجد ، فيُنصت له ، فيقول له في الصباح : "لو رأيتني البارحة وأنا استمع لقراءتك " قال أبو موسى : لو أعلم يا رسول الله أنك تستمع لي ، لحبرته لك تحبيراً ..
عند ابن أبي حاتم يمر صلى الله عليه وسلم بعجوز ، فينصت إليها من وراء بابها ، وهي تقرأ { هل أتاك حديث الغاشية } ، تعيدها وتكررها ، فيقول : "نعم أتاني ، نعم أتاني " ..
إن للاستماع حلاوة ، وللإنصات طلاوة ..
أحد الكتاب اللامعين المسلمين سافر إلى أوروبا ، فأبحر في سفينة، وركبت معه امرأة من يوغسلافيا ، شيوعية فرت من ظلم ومن قهر تيتو ، فأدركته صلاة الجمعة مع زملائه ، فقام فخطبهم ، ثم صلى بهم وقرأ سورة الأعلى والغاشية ، وكانت المرأة لا تجيد العربية ، كانت تُنصت إلى الكلام وإلى الجرس وإلى النغمة ، وبعد الصلاة سألت هذا الكاتب عن هذه الآيات ؟!
فأخبرها أنها من كلام الله عز وجل ، فبقيت مدهوشة مذهولة ، قال : ولم تمكني لغتي لأدعوها إلى الإسلام : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } ..
إن للقرآن سلطانا على القلوب ، وهيبة على الأرواح ، وقوة مؤثرة فاعلة على النفوس ..
عجبت لأناس من السلف الأخيار ، ومن المتقدمين الأبرار ، انهدوا أمام تأثير القرآن ، وأمام إيقاعاته الهائلة الصادقة النافذة : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا ن خشية الله } ..
فذاك علي بن الفضيل بن عياض يموت لما سمع أباه يقرأ : { وقفوهم إنهم مسئولون * مالكم لا تناصرون } .
وأخبرني عالم أنه صلى في المدينة ، فقرأ القارئ بسورة الواقعة ، قال : فأصابني من الذهول ومن الوجل ما جعلني اهتز مكاني ، وأتحرك بغير إرادة مني ، مع بكاء ، ودمع غزير { فبأي حديث بعده يؤمنون } ..
* ولكن ما علاقة هذا الحديث بموضوعنا عن السعادة ؟!
إن التشويش الذي يعيشه الإنسان في الأربع والعشرين ساعة كفيل أن يفقده وعيه ، وأن يقلقه ، وأن يصيبه بالإحباط ، فإذا رجع وأنصت وسمع وتدبر كلام المولى بصوت حسن من قارئ خاشع ، ثاب إليه رُشده ، وعادت إليه نفسه ـ وقرت بلابله ، وسكنت لواعِجُه ..
إنني أحذرك بهذا الكلام عن قوم جعلوا الموسيقى أسباب أُنسهم وسعادتهم وارتياحهم ، وكتبوا في ذلك كُتبا ، وتبجح كثير منهم بأن أجمل الأوقات وأفضل الساعات يوم يُنصت إلى الموسيقى، بل إن الكتاب الغريبين الذين كتبوا عن السعادة وطرد القلق ، يجعلون من عوامل السعادة الموسيقى { وما كان صلاتهم عند البيت إلى مكاء وتصدية } ، { سامرا تهجرون } ..
إن هذا بديل آثم ، واستماع محرم ، وعندنا الخير الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، والصدق والتوجيه الراشد الحكيم ، الذي تضمنه كتاب الله عز وجل : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد } ..
فسماعنا للقرآن سماع إيماني شرعي محمدي سني { ترى أعينهم تفيض من الدم مما عرفوا من الحق } ، وسماعهم للموسيقى سماع لاه عابث ، لا قوم به إلا الجهلة والحمقى والسفهاء من الناس
{ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله } ..